الإقتصاد الأردني: مشاكل وحلول
الإقتصاد الأردني يمر الآن في امتحان يظهر مدى صلابته، وقدرته على تحمل أعباء المرحلة الحاليه، والتي تمتزج فيها التحديات الداخليه بالتحديات الخارجيه. ولنبدأ بأهم التحديات الخارجيه:
أولها: الأزمة الماليه والاقتصاديه التي فاجأت العالم، وأثقلت كاهله، وانتشرت في أوصال الاقتصاد العالمي كله في مراحل متفاوته. وقد وصلت هذه الأزمة الى الأردن بعد مرور سنة على بدايتها، لا من حيث أثرها ولكن من حيث قبول الحكومة الأردنيه بوجود ازمة بعد حالة إنكار امتدت لسنة تقريباً. وقد تأثرالأردن بهذه الأزمة بعد أن أحدثت شللأ في اقتصادات دول الخليج العربي، والتي توفر السواد الأكبر من دخل الأردن بالعملات الأجنبيه. وقد تضافرت هذه العوامل في تعطيل سوق المال، وشلل الاستثمار العقاري، وتأثر القطاع المصرفي بالإفلاسات والاحتياطات الإضافية مقابل الديون الرديئه، مما أبطأ حركة الإئتمان. وتحولت البنوك من حالة (Pump priming)، أو ضخ السيوله بقوه الى تجفيف المصادر، إلا للمقتدرين.
وثانيها: أن الأردن بعدما كاد يسترد أنفاسه، ويبدأ في لملمة أموره. فوجئ بالأزمة الأوروبيه. وهذه الأزمة ساهمت في إعادة التشاؤم وروح الأزمة الى الاقتصاد الدولي، وأبقت اقتصاد دول الخليج قلقاً رغم عودة أسعار النفط الى الارتفاع ثانيه. ولذلك استمر الاقتصاد الأردني في دورة الأزمة الاقتصاديه.
وثالثها: الربيع العربي والذي شهد ثورات وتقلبات على الساحة العربيه أطاحت بأربعة رؤساء دول في سنه واحده وغيرت صورة العلاقة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع العربي تغييراً شاملاً عميقاً لا عودة عنه. ولكن هذا لم يكن بدون ثمن، فقد بلغت كلفته عشرات بلايين الدولارات، وكشفت عمق الفساد والتآكل الذي كان ينخر في هياكل الدول العربية.
وأما المؤثرات الداخليه في الأردن، فيمكن إيجازها فيما يلي:
أولاً: عدم قدرة المؤسسات في الأردن على الاستجابة للتحديات التي تأتي من الخارج، وهشاشة البنية الاقتصادية والتي استمتعت وعانت خلال الفترة 2004-2008 من شهوة الربح السريع، التحول الى الاستثمار العقاري، وفرة المال القابل للإقراض، وغياب الرقابة، ونقص الشفافيه والحكمانيه، والجرأة على مخالفة القوانين وإغفالها بدون رقابة فعاله. وقد خلق هذا البالون أو الفقاعة الكبيرة داخل الاقتصاد الأردني فرصة للتراجع الكبير.
ثانياً: رغم النجاح الكبير الذي حققته بعض القطاعات مثل السياحة العلاجية والتعليميه. وقطاع التعدين، وقطاع الاتصالات حتى بعد الأزمة، إلا أن هذه لم ترق الى الحجم الذي كان يمكن أن تصل إليه، ولم تستطع أن تغطي الفوائض في هذه القطاعات فجوة الاستثمار.
ثالثاً: غياب التفكير الاستراتيجي في الأردن لمواجهة المشكلات في المدى القصير، أو المتوسط، أو الطويل. وقد بذلت جهود كثيرة لبناء استراتيجيه اقتصادية متعده داخل كل وزاره، وفي الخلوات الاقتصادية بمنطقة البحر الميت والعقبة سعت القيادة الهاشميه لبناء تصور استراتيجي مستقبلي، ولكن معظمها لم ير النور. وتفاقمت الثقة بالحكومات المتعاقبة التي اعتقدت أنها تملك الحلول والاستراتيجيه، ولكن سرعان ما فشلت وذهب ريحها. فالحكومه التي طال عمرها أوغلت في القوانين المؤقته، والمشروعات المشكوك فيها. والحكومات قصيرة الأجل ركزت على مشروعات ثبت بعد ذلك مخالفتها للقوانين أو غياب الشفافيه والحكمانيه في أختيارها ودراستها وتنفيذها..
رابعاً: علينا أيضاً أن نعترف أن القطاع الخاص مقصر وفيه فساد كما أتضح من حال كثير من الشركات. وثبت أن أبناء قيادات القطاع الخاص لم تعد الإعداد الصحيح لإدارة المؤسسات التي بناها أباؤهم وجدودهم.
وهنالك أيضاً مآخذ على مؤسسات المجتمع المدني سواء في قطاع الخدمات التطوعيه، أو في مجال النقابات المهنيه حيث مساهمتها في بناء الاقتصاد وتطوير التكنولوجيا، واقتراح الحلول يبقى محدوداً، وذا أثر محدود على مجمل التطوير. وفوق كل نقاط الضعف في مؤسسات القطاع الخاص والعام والمجتمع المدني، فإن علاقاتها بين بعضها البعض وفيما بينها نفسها (Inter) وَ (intra) ضعيفة ولا يوجد تنسيق أو تعاون واضح.
والملخص أن المشكلة الأساسية في الأردن هي غياب الإستراتيجية الواضحة من قبل جهة معتمدة. ولو عدنا إلى تاريخ الأردن الإقتصادي منذ إنشاء الدولة الأردنية عام (1921) وحتى الآن ، فإننا نرى أن الأردن مر بدورات إقتصادية تفاوتت بين الإزدهار لفترات قصيرة، والتضخم، والكساد التضخمي، والكساد (1940-1929) ، وغيرها. وقد استطاع الأردن بالسياسات التصحيحية والمساعدات أن يحل الأزمات قصيرة الأجل.ولكن الأزمات طويلة الأجل لم تحل. والدليل على ذلك أن المؤشرات الإقتصادية الرئيسية بقيت كما هي في كل أنواع الدورات وعبر الزمن، وهذه التحديات الأساسية هي الفقر، البطالة ، نقص الطاقة ، المساعدات الخارجية، العجز التجاري، العجز في الموازنة، ضعف الطاقة الإنتاجية الصناعية، وغيرها.
ولكن المحزن ان الدورة التي نمر بها الآن قد كشفت نقاط الضعف في التصدي فها نحن في السنة الرابعة من الأزمة التي بدأت عام 2008 ، ودعونا نسأل الأسئلة التالية :
1- هل تحسنت البطالة ومعدلاتها؟
2- هل نقصت نسبة الفقر؟
3- هل رشدنا الإستهلاك الحكومي والخاص؟
4- هل بنينا وعياً وطنياً للتفكير في الصالح العام مثل الخاص؟؟
5- هل تحسن أداء الحكومات؟
6- هل تراجع عجز الموازنة؟
7- هل تحسن الميزان التجاري؟
8- هل استفدنا من الفرص التي اتيحت لنا في الربيع العربي؟
9- هل نقصت حالات الإفلاس؟
10- هل تبنينا سياسات لانتشال المؤسسات المتعثرة؟
11- هل زادت الإنتاجية؟
12- هل تحسن مستوى التعليم المدرسي والجامعي الا في بعض مدارس القطاع الخاص؟
13- هل زادت حالات العنف؟
14- هل نحن أكثر سعادة واطمئناناً للمستقبل؟
والإجابات على كل هذه الأسئلة ستكون سالبة، إذن فنحن أمام امتحان خطير. صحيح أن هنالك أسباباً خارجية دعمت المشكلة الإقتصادية، ولكن ما الحلول؟
نحن بحاجة الى ثلاثة أنواع من الحلول :
1- الحلول الفورية:
• أخذ قرارات سريعة بالتخلص من الحطب الميت في نارنا، وذلك بالسماح للشركات المتعثرة في سوق عمان المالي، والتي خسرت أكثر من نصف قيمتها إما بإعادة الهيكلة أو بالإفلاس خلال ثلاثة أشهر.
• تبني برنامج تدريب مهني بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص لخلق عشرة آلاف فرصة تدريبية كل ثلاثة أشهر، مع التزام كامل بالعمل وأخلاق المهنة.
• خلق شركات خدمات توظف اردنيين مكان العمالة الوافدة ومن هذه على سبيل المثال حراسة المنازل، إدارة الحدائق المنزلية، العناية بمزارع الغائبين، الصيانة الدورية للمنازل ، وغيرها…
• تخصيص مبلغ (50) مليون دينار للصناعات الغذائية المنزلية وفق مواصفات متفق عليها، وبناء مجمع لتجميع هذه الأغذية، وتعليبها وتسويقها.
• تشجيع الزراعة الطبيعية (botanic) وغيرها.
• انشاء بنك الأرض، وبنك التنمية الأردني برأسمال لا يقل عن (500) مليون دينار.
• أخذ قرارا بتجميد الأجور والرواتب لمدة عام حتى تنفرج الأزمة.
• تشجيع السياحة نحو الأردن وتركيز الترويج في الاسواق المستهدفة. هنالك ضعف واضح في الترويج حتى داخل الدول العربية.
• النظر الفوري في الخدمات الصحية، ووضع أسس ومعايير لها، ومنع التعامل في هذا القطاع.
• تنظيم نقاط الحدود وتحسين أدائها.
2- المدى المتوسط:
* تحديد مدة (4) سنوات على أقصى حد لحل مشكلة الطاقة في الأردن، وإعادة النظر في التعاقدات مع شركتي (شل)، وبريتش بتروليوم، وغيرها ، حتى ولو أدى ذلك إلى منحهم امتيازات إضافية لمدة محدودة إن هم استطاعوا تسريع عمليات التنقيب والإنتاج.
* البحث الجاد في بناء مشروعات الطاقة البديلة.
* حل مشكلة النقل العام، وإعادة تنظيم القطاع بالكامل.
* تشجيع الإستثمار في القطاعات التنافسية في الأردن.
* بناء مشروعات كبرى مثل مصفاة بترول، ومد خط أنابيب وتطوير التعاون مع الجيران خاصة العراق، فلسطين ، وليبيا، وسوريا وفق تصور استراتيجي يمتد لسنوات طويلة..
* الحكومة الإلكترونية، وضرورة إنجازها دعماً للشفافية والنزاهة.
3- المدى الطويل:
1- حل مشكلة المياه نهائياً .. بالتحلية أو ببناء مشروع كبير .
2- بناء عاصمة سياسية جديدة للأردن.
3- الإنتهاء من تطبيق مشروع اللامركزية.
4- الإنتهاء من بناء قناة البحرين.
5- تحقيق الإكتفاء الذاتي في الغذاء الحقلي والطاقة.
6- الوصول إلى ميزان تجاري بدون عجز.
7- تأمين صحي شامل لكل المواطنين.
8- اعادة هيكلة التعليم في الأردن اعادة كاملة..
9- تحقيق دخل سياحي سنوي والوصول به بعد (5) سنوات إلى
(5) مليون سائح و (10) مليون بعد (8) سنوات.
وهذه كلها عبارة عن أمثلة ، يجب أن تبرمج وفق خطة إستراتيجية كاملة، وبتعاون وثيق بين الأطراف الثلاثة (القطاع العام، القطاع الخاص، المجتمع المدني (أو السياسة والإقتصاد والإجتماع)….. وذلك بافتراض وجود أحزاب سياسية ناضجة ومتنافسة….