أكد محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور زياد فريز أن الجهاز المصرفي الأردني يتمتع بالقدرة والجاهزية العالية لتوفير التمويل اللازم لنشاطات القطاع الخاص. وقال خلال حلقة نقاشية نظمتها جمعية رجال الأعمال الأردنيين، أن الجهاز المصرفي الأردني سليم ومتين وقادر على تحمل الصدمات والمخاطر المرتفعة لتمتعه بمستويات مرتفعة من رأس المال التي تعد الأعلى بمنطقة الشرق الأوسط ومستويات مريحة من السيولة.
وأضاف الدكتور فريز أن الجهاز المصرفي إستطاع الحفاظ على سلامة ومتانة أوضاعه المالية والإدارية رغم الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وظروف عدم الإستقرار بالمنطقة وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي. وأكد أن البنوك الأردنية تمكنت من الحفاظ على نسبة الديون غير العاملة من إجمالي الديون ضمن مستويات متدنية بلغت 4.6 % فيما بلغت نسبة تغطية المخصصات لها 76 % بالاضافة لنمو التسهيلات الائتمانية العام الماضي بنسبة 5.8% وودائع العملاء 2 %.
وبين الدكتور فريز أن البنك المركزي قام بتوسيع مظلته الرقابية لتشمل شركات التأمين والشركات المالية غير البنكية بما فيها شركات التمويل الأصغر لتنويع مصادر التمويل وتحسين فرص الحصول على التمويل، خصوصاً للمشاريع متناهية الصغر والصغيرة.
وأشار إلى أن البنك المركزي قام كخطوة أولى لإخضاع جميع الشركات مقدمة الإئتمان إلى رقابته وأعد دراسة معمقة للوقوف على عدد وحجم وأنشطة هذه الشركات وبما يسهم بالحد من صيرفة الظل وإدماجها بالنظام المالي الرسمي لتكون شريكاً مكملاً لدور البنوك بمنح الإئتمان وسد الفجوة التمويلية للعملاء غير المخدومين من القطاع البنكي.
وقال أن نظام سعر الصرف الثابت الذي يتبناه البنك المركزي بنجاح منذ عام 1995 يمثل الركيزة الأساسية للسياسية النقدية، وأحد أبرز دعائم الإستقرار النقدي والمالي والثقة بالاقتصاد الوطني.
وأضاف أن البنك المركزي يلتزم بالحفاظ على سعر الصرف الحالي، وعلى جاذبية الموجودات المحررة بالدينار مقابل الموجودات المحررة بالعملات الأخرى. وأكد أن سعر الصرف الحالي يتوافق مع سعره التوازني طويل الأجل كما تعكسه أساسيات الاقتصاد الوطني وهي نتائج تتوافق أيضا مع دراسات قامت بها المؤسسات الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي.
وتابع أن ذلك يعززه إمتلاك البنك المركزي لرصيد مرتفع من الإحتياطيات الأجنبية يتجاوز حالياً 13 مليار دولار، وهو مستوى يكفي لتغطية 7.2 شهراً من مستوردات المملكة من السلع والخدمات، أي ما يزيد عن ضعف المعدل المتعارف عليه دولياً البالغ 3 أشهر.
وفيما يتعلق بأسعار الفائدة في الاقتصاد الوطني، لفت الدكتور فريز إلى أن البنك المركزي يستند في تعديلها إلى جملة واسعة من المعطيات والحقائق والقراءات العلمية والمهنية الدقيقة والمستقلة، لمؤشرات الاقتصاد الوطني، وكذلك مؤشرات الاقتصادات الإقليمية والدولية.
وأكد أن البنك المركزي يعلم الإنعكاسات المحتملة على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني لأي إجراء يتخذه بهذه الخصوص، لا سيما كلفة الإقتراض من مؤسسات الجهاز المصرفي. وشدد أن المحافظة على الإستقرار النقدي، بكافة مكوناته يمثل أولوية للبنك المركزي التي نجح في تنفيذها وبلورتها إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع، مما عزز من مصداقيته وثقة المتعاملين معه.
وقال الدكتور فريز” لم يغب عن بال البنك المركزي، وهو يمارس ذلك الدور، أهمية توفير السيولة الملائمة لمؤسسات الجهاز المصرفي، للحفاظ على قنوات تمويل مستقرة وذات كلفة مناسبة للنشاط الاقتصادي”.
وأضاف أن البنك المركزي يمضي قدما مُنذ عام 2012، عبر برنامجه لإعادة التمويل، في توفير التمويل المُيسر للبنوك، بأسعار فائدة ثابتة ومتدنية وخاصة للمناطق خارج العاصمة عمان، وبآجال سداد تصل إلى 15 سنة.
وبين أن إجمالي التمويل المتاح حالياً عبر هذا البرنامج يصل لنحو1.2 مليار دينار تم منح ما يزيد على 600 مليون دينار للقطاعات التي يستهدفها البرنامج وهي الصناعة والسياحة والطاقة المتجددة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والإستشارات الهندسية والصحة والنقل، والتعليم.
كما تم توفير خطوط إئتمان للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يتم إعادة إقراضها من خلال البنوك المرخصة بالتعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية بقيمة 440 مليون دولار تم إقراض 252 مليون دولار منها بالإضافة إلى مساهمة هذين البرنامجين خلق ما يزيد على 14 ألف فرصة عمل حتى الآن، وأسهما في إبقاء أسعار فائدة الإقراض في السوق المصرفية ضمن حدود مناسبة، مقارنة بأسعار الفائدة على الودائع، كما يعكس ذلك إنخفاض هامش سعر الفائدة بين القروض والودائع خلال عام 2018 بمقدار0.88 نقطة أساس بفعل إرتفاع أسعار الفائدة على الودائع بشكل ملموس مقارنة بأسعار الفائدة على التسهيلات.
وأوضح الدكتور فريز أن الاقتصاد الأردني تعرض خلال السنوات العشر الماضية إلى تحديات عميقة فرضت نفسها بقوة على صانع القرار ما ألزم أن يواجه اقتصاد صغير محدود الموارد كاقتصاد الأردن، تداعيات أزمة مالية واقتصادية عالمية في قلب بيئة إقليمية ملتهبة سياسياً وأمنياً واجتماعياً أدت إلى إغلاق شبه كامل في حدوده البرية وطرق تجارته الخارجية لتبقي صادراته شبه معزولة عن أسواقه المحيطة وهي التي تشكل أكثر من 36 % بالمتوسط من حجم تجارة الأردن الخارجية.
وأشار إلى أن هذه المرحلة دفعت الاقتصاد الوطني الدخول في مرحلة جديدة في أدائه الاقتصادي قد تتطلب وقتاً للخروج منها والعودة إلى ما كان عليه الحال قبل عام 2009، حيث يتجه الإنفاق العام نحو الانخفاض ليشكل 17.1% من الناتج بالمتوسط خلال الفترة (2018-2009) بالمقارنة مع 21.8 % بالمتوسط خلال الفترة (2008-2000)، متأثراً بسياسات الضبط المالي في إطار الإصلاح الاقتصادي، وإنخفاض الإيرادات الحكومية جراء تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي. وقد عوض ذلك الانخفاض، جزئياً، زيادة الإستهلاك الخاص في الاقتصاد، مدفوعاً في جانب منه بزيادة الطلب الكلي الناجم عن توافد اللاجئين إلى الأردن، حيث إرتفعت أهميته في الناتج إلى 84 % بالمتوسط خلال الفترة (2018-2008)، بالمقارنة مع 81% خلال الفترة (2008-2000).
وعبر عن إعتقاده أن إحلال الإنفاق الخاص بالإنفاق العام ليس بالأمر السلبي وهو تطور في الإتجاه الصحيح، ليأخذ القطاع الخاص دوره المنشود في الاقتصاد. رافق ذلك إنخفاض مساهمة الصادرات الوطنية في الناتج المحلي الإجمالي من 25 إلى 19.4% بفعل إغلاق المنافذ الحدودية مع أسواق مهمة مثل العراق، وسوريا وعبرها إلى تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب إنخفاض صادرات المملكة إلى دول الخليج والتي تراجعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة 20.4% لتنخفض أهميتها النسبية بنسبة 25 %.
ولاحظ فريز إلى أن هذا الانخفاض لم يقتصر على دولة معينة وإنما كان عام على مستوى دول الخليج، وعلى مستوى السلع المصدرة أيضاً، مؤكداً أن هذا يدعو للوقوف على أسباب هذا الإنخفاض، لا سيما أن أسواق دول الخليج العربي كانت على الدوام أحد الوجهات الأكثر نشاطاً للصادرات الوطنية.
ولفت إلى أن دراسات البنك المركزي أكدت أن التوترات السياسية في المنطقة وإغلاق الحدود كلفا الأردن خلال السنوات الثماني السابقة فرصاً تصديريه ضائعة تقدر بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، واصفاً ذلك بأنها خسارة ليست بالقليلة على شتى القطاعات.
وبين محافظ المركزي أن الحاجة تبدو اليوم لإعادة تقييم أداء ونتائج بعض إتفاقيات التجارة التي أبرمها الأردن مع العديد من دول العالم ومراجعة شروطها وقدرتها على تحقيق أهدافها وضمان أن تتوزع مكتسباتها والفرص الناجمة عنها بشكل أكثر عدالة بين أطرافها، بما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.
وبهذا الصدد، أشار إلى أن البنك المركزي قدر حجم الإعفاءات الجمركية التي منحت للمستوردات من تركيا لوحدها، ضمن إتفاقية التجارة الحرة بنحو 322 مليون دينار خلال الفترة (2017-2011)، دون أن يصاحب ذلك نمو نوعي أو كمي يذكر في الصادرات الوطنية وفي تدفقات الاستثمار من تركيا.
وتابع أن الصادرات الوطنية إلى دول الاتحاد الأوروبي ما زالت تراوح مكانها منذ سنوات ولا تتجاوز 3 % من إجمالي صادرات المملكة رغم وجود إتفاق تبسيط قواعد المنشأ مع الاتحاد الأوروبي وتخفيف شروطها مؤخراً.
وأكد أن الأردن أظهر خلال السنوات الماضية مرونة عالية وقدرة كبيرة في التعامل مع التحديات والمستجدات وخرج كعادته أكثر قوة وتماسكاً، وأشد عزماً وإصراراً من أي وقت مضى على العمل الجاد دون إبطاء.
وأشار إلى أن الاقتصاد الأردني وعلى الرغم من كل الظروف والصعاب تمكن من تجاوز الأصعب والإستمرار في تحقيق معدلات نمو موجبة، وإن كانت دون المستويات المأمولة، مُرجعاً ذلك للتصميم على نهج الإصلاح المالي والاقتصادي رغم صعوبته.
وبين أن مسار النمو الاقتصادي الشامل والمستدام يتطلّب من الجميع عدم الركون والإسترخاء ومواصلة البناء على ما تم تحقيقه من إنجازات وتنفيذ الإصلاحات المتبقية، دونما إبطاء أو تردد، موضحاً أن الإصلاح المنشود لا يقتصر على الحكومة أو القطاع العام بل يتعدى ذلك إلى مختلف شركاء الاقتصاد، بما فيهم القطاع الخاص.
وأوضح فريز أن قادة الأعمال عنصراً أساسياً وشريكاً إستراتيجياً بالعملية التنموية والإصلاحية ولا يمكن أن يجني الوطن الثمار الحقيقية للإصلاح ما لم يمد القطاع الخاص يده بالعون والمساعدة، وتحمل المسؤوليات في الإصلاح والتغيير نحو بناء اقتصاد قوامه المعرفة والتكنولوجيا وتنوع الخدمات وجودتها، اقتصاد تنافسي يحفز الإبتكار ويدعم الإبداع.
وأشار إلى أن لغة الأرقام تؤكد وجود تطورات إيجابية مهمة ومشجعة في أداء الاقتصاد الوطني بدأت خلال العام الماضي وما زالت مستمرة منها انخفاض عجز الموازنة العامة إلى 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2018 مقارنة بالمستويات المرتفعة التي وصل إليها عام 2012 والبالغة 8.3 %
وأشار إلى تراجع عجز الحساب الجاري نهاية العام الماضي لأقل من نصف مستواه في عام 2012 ليصل إلى 7% فقط من الناتج المحلي الاجمالي وبإنخفاض فاق ثلاث نقاط مئوية عن مستواه في عام 2017.
ولفت محافظ المركزي إلى تحسن النمو في الصادرات الوطنية خلال العام الماضي قياساً بعام 2017، فيما يشهد العام الحالي زخماً ملفتاً في نموها كما تُظهره البيانات المتاحة حيث وصل إلى13.6 % خلال الشهر الأول من العام الحالي مدفوعة بنمو الصادرات للعراق والولايات المتحدة وبعض الدول الآسيوية.
وحسب فريز سجل الدخل السياحي خلال العامين الماضيين نمواً قوياً تراوح حول 14% سنوياً وواصل هذا النمو الإيجابي خلال الربع الأول من العام الحالي ليزيد 5.2 % كما عاودت حوالات الأردنيين العاملين في الخارج للإرتفاع بالشهرين الأولين من العام الحالي لتنمو بنسبة 4 % بعد تراجعها العام الماضي.
وفيما يتعلق بالمؤشرات النقدية، أكد محافظ المركزي أنها كانت إيجابية في مجملها خلال العام الماضي وتبشر بأداء أفضل بالعام الحالي حسب توقعات البنك، إلى جانب أن معدل التضخم لم يتجاوز 1 % خلال الربع الأول من العام الحالي قياساً بأكثر من 3 %خلال الربع الأول من العام الماضي.
وقال ” رغم من بوادر التحسن هذه إلا أن الإنخفاض في تدفق حجم الاستثمار الأجنبي إلى جانب تباطؤ أداء قطاع الصناعات الإستخراجية الذي يُعد القطاع الاكثر تقلباً في أدائه لإرتباطه بالطلب والمنافسة العالمية أسهم بتسجيل الاقتصاد الوطني نمواً نسبته1.9% خلال العام الماضي”.
وتابع ” رغم أن معدل النمو الاقتصادي لا يزال دون مستواه طويل الأجل إلا أنه جاء أعلى بنصف نقطة من متوسط معدل النمو لدول الـشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ1.4 % كما أنه يرتفع إلى 2% بالمقارنة مع1.9% خلال عام 2017 في حال إستثناء قطاع الصناعات الإستخراجية”.
وأشار إلى أن القطاع الخاص يؤدي دوراً محورياً في عملية التنمية بإعتباره المُشغل الأكبر للأيدي العاملة حيث يوظف نحو 60 % منها وإستحدث خلال السنوات الستة الماضية ما يزيد على 200 ألف فرصة عمل، ويسهم بأكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم هذا الدور، بين فريز أن قطاع الـعمال بالمملكة ما زال يعاني من محدودية العلاقات والتشابكات مع قطاعات الأعمال والشركاء الدوليين، موضحاً أن 5% فقط من الشركات المحلية يشارك في ملكيتها مستثمرين أجانب بنسبة 10% فأكثر، وهي نسبة تقل عن المتوسط لدول المنطقة.
وأشار إلى أن نسبة الشركات (حوالي 7 بالمائة ) التي حازت على شهادات الجودة الدولية تقل أيضاً عن المتوسط لدول المنطقة البالغ 13.5 بالمائة بالإضافة لقلة عدد الشركات الأردنية القادرة على التصدير.
وأوضح الدكتور فريز أنه بالإستناد على بعض الإستطلاعات، فإن حوالي 20% فقط من الشركات الأردنية أفادت أن سوقها الأولي هو سوق تصديري، كما أن نسبة تركز شركات التصدير منخفضة إذا ما قورنت بالشركاء التجاريين للمملكة.
وقال أنه في ظل المنافسة الدولية وثورة الإتصالات والتحولات التكنولوجية والمالية السريعة فإن المنافسة التي يواجهها الاقتصاد الوطني أصبحت أقوى من أي وقت مضى ولا تقتصر على المنافسة خارج حدود الوطن وإنما أيضاً في الداخل.
وأضاف أن القطاع الخاص المحلي يحتاج إلى التكيّف بشكل دائم مع هذه التحولات في البيئة الاقتصادية والمنافسة سريعة التغير ما يتطلب خدمات دعم قابلة للتكيف وتطوير البنية التحتية للخدمات المادية والمالية، وتابع أن ما نحتاجه فعلاً هو القدرة على الإنتاج بكفاءة وفعالية لتضييق الإختلالات الخارجية والداخلية وفي ظل القيود المالية والاقتصادية الحالية، فإننا مطالبون، حكومة وقطاع خاص على حد سواء بالقيام بالمزيد بإستخدام القليل المتاح وهنالك حاجة إلى تحسين الكفاءة وإيجاد وسائل جديدة للمهام التقليدية.
وأكد أن الأردن اليوم يواجه منافسة عالية من دول المنطقة بإستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ينجح فيها من يواكب الإصلاح وينفذ سياسات جادة تؤسس لبيئة حاضنة للاستثمار، ورغم نجاح المملكة بإستقطاب بعضها إلا أنها ما زالت غير كافية للنهوض بالاقتصاد الوطني ونقل المعرفة والتكنلوجيا المصاحبة لها.
وشدد على ضرورة أن يتم التركيز بالمرحلة الفادمة على مواصلة إصلاح البيئة الاستثمارية وزيادة سهولة ممارسة الأعمال، موضحاً أن ترتيب الأردن في تقرير ممارسة الأعمال لعام 2019 تظهر أن المملكة تحتل المرتبة 104 من أصل 190 دولة رغم تحقيقها قفزة نوعية بواقع 52 مرتبة في مؤشر الحصول على الإئتمان خلال العامين الماضيين.
ولفت الدكتور فريز إلى جملة إجراءات عديدة إتخذت لتحسين بيئة الاستثمار وممارسة الأعمال بالأردن، سواءً على المستوى التنظيمي أو التشريعي، مثل إقرار قوانين الإعسار وضمان الحقوق بالأموال المنقولة فيما الجهود جارية لبناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، لا سيما عبر التوجه لتعديل قانون الشراكة بحيث يشمل كافة القطاعات بلا إستثناء، في ظل أن عدد المشاريع قيد الإنجاز ضمن إطار قانون الشراكة بلغ 16 مشروعاً بقيمة 525 مليون دينار أردني وهناك طموحات لمضاعفتها على المدى المتوسط.
وبهذا الصدد أكد ، أهمية توفير البيئة المناسبة لمزيد من الاستثمار في القطاعات التي تمتلك ترابطات أكبر مع باقي قطاعات الاقتصاد الوطني للمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة.
وقال ” لدى تتبع تدفق الاستثمار تاريخياً، يلاحظ أن نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات توجهت نحو قطاعات ذات قدرة أقل على توفير الوظائف وإحداث تنمية ملموسة في الاقتصاد”.
وأضاف أن الأردن لديه العديد من الفرص الاستثمارية الواعدة بقطاعات يمتلك فيها ميزة نسبية ولديها القدرة على خلق فرص العمل كالسياحة والتكنولوجيا وريادة الأعمال والخدمات اللوجستية والبنية التحتية والخدمات المهنية عالية المهارات، داعياً القطاع الخاص للاستثمار فيها والإستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع فيها.
وأكد أن الشمول الاقتصادي الذي يضمن الوصول العادل إلى الفرص الاقتصادية ضروري لإستدامة اقتصادات السوق، مبيناً أن هذا لا يمكن أن يتحقق دون الإستفادة من إمكانات القطاع الخاص وقدراته الرائد في خلق مسارات التشغيل والتدريب لجميع الفئات وخصوصاً الشباب والنساء والفئات الأقل حظاً في المناطق النائية.
وأشار الدكتور فريز إلى أن الشمول الاقتصادي أصبح الهدف الذي تسعى إليه كل الدول، نظراً لكونه يضمن تكافؤ الفرص بين كافة الطبقات الإجتماعية ومستويات الدخل، للمشاركة في الحياة الاقتصادية، وجني عوائدها دون تحيز.
وأوضح أن تحقيق الشمول الاقتصادي يتم من خلال إحداث تغييرات ضرورية من خلال قيام المجتمعات بزيادة الفرص الاقتصادية للأفراد وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق وفرص التعليم والتوظيف، وريادة الأعمال إلى جانب إكتساب الأفراد القدرات اللازمة للإسهام بشكل منتج، والإستفادة من فرص السوق.
وبين أن الشمول الاقتصادي لا يتحقق بالشكل الأمثل ما لم يرافقه شمول مالي الذي يعد أحد مفاتيح المجتمعات المزدهرة، ويرتكز على عدد من المحاور الأساسية المتمثلة بتوفير الوسائل والأدوات التي تُيسر سبل الوصول إلى الخدمات المالية، والذي لا يتحقق دون ان يرافقه نشر للثقافة المالية.
وقال الدكتور فريز أن الشمول المالي يضمن الحصول على التمويل من قبل جميع فئات المجتمع وقطاع الأعمال وخصوصاً المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، بالإضافة لخلق تاريخ مالي رسمي أو هوية مالية للفئات المستبعدة مالياً وحماية المستهلك المالي، وإتاحة الخدمات المالية المتنقلة.
وأضاف أن البنك المركزي أطلق الإستراتيجة الوطنية للشمول المالي قبل عامين وأنشأ دوائر متخصصة في البنك تعنى بذلك بهدف زيادة الثقة والتنافسية في النظام المالي والمصرفي وتحسين نوعية وجودة الخدمات المالية المقدمة للعملاء، بما يسهم في تشجيع الأفراد وزيادة إقبالهم على إستخدام الخدمات المالية.
وشدد الدكتور فريز على أن مهمة تعزيز الشمول المالي لا تقع على عاتق البنك المركزي وحده، داعياً القطاع الخاص ليكون شريكاً فاعلاً لتسهيل عملية الشمول المالي.
وأكد على ضرورة مواصلة العمل على تطوير بيئة الأعمال، وبما يمكنها من مواكبة التطورات الرقمية المتسارعة، مبيناً أن التطورات الكبيرة في عالم المال والمصارف خصوصاً بمجال تطبيقات التكنولوجيا الحديثة والدفع الإلكتروني والتحول الرقمي، فرضت تحديات جديدة للتكيف مع هذه المعطيات بما تقدمه من بعد جديد للأنشطة المالية، وزيادة الفعالية والإبتكار في هذا القطاع، وخصوصاً في مجال الشمول المالي.
وبهذا الخصوص، لفت الدكتور فريز إلى أن البنك المركزي الأردني يسعى لإستغلال ثمار التكنولوجيا في أنظمة الدفع والتقاص والتسويات وأدواتها ووسائلها والإستفادة من أحدث التقنيات المعلوماتية وشبكات الإتصال في مجال الدفع والتحويل الإلكتروني للأموال مستهدفاً بذلك تحقيق السرعة والسهولة وخفض التكاليف التشغيلية المترتبة على تنفيذها وتعزيز وسائل أمن وحماية المدفوعات ودور ذلك في سرعة تنفيذ أوامر الدفع وتداول الأموال، وتحسين إدارة مخاطر السيولة والتسوية وتحسين كفاءة إدارة الأموال لدى البنوك، وتنشيط سوق ما بين البنوك وصولاً إلى تحقيق الإستقرار المالي بالمملكة، ورفع مستوى الثقة في النظام المالي الأردني محلياً ودولياً.
وأشار إلى أن البنك المركزي أصدر تعليمات التكيف مع المخاطر السيبرانية للبنوك والمؤسسات المالية كمفتاح رئيسي وخطوة أولى لضمان أمن المعلومات والأمن السيبراني في القطاع المصرفي والمالي في الأردن، كما باشر بالعمل على تنظيم مختبر الإبتكارات المالية بهدف إنشاء بيئة متخصصة للإبتكار وتطوير الأعمال وفحصها ضمن بيئة آمنة ومحوكمة، بما يعزز فرص نجاح هذه الأفكار الإبداعية ويفتح المجال أمام الحوار والتعاون.
وأوضح الدكتور فريز أن البنك المركزي يدعم المبادرات والإبتكارات التي تستخدم أحدث التكنولوجيا العالمية بما في ذلك تكنولوجيا البلوك تشين مع الأولوية للتطبيقات التي تعزز من إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية بيسر وكفاءة وأمان، والأخذ بضوابط تعزيز الأمن السيبراني للخدمات المالية بشكل عام.
وأشار أيضا للعديد من الخطط والإستراتيجيات الوطنية التي نُفّذت بهدف تشجيع ريادة الأعمال وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مثل إطلاق صندوق الريادة بتمويل من البنك الدولي والبنك المركزي الأردني وإنشاء لجنة لريادة الأعمال تضم مجموعة واسعة من ممثلي الشركات الناشئة وحاضنات الأعمال والقطاع الحكومي.
ودعا الدكتور فريز القطاع الخاص للإستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في الأردن والمنطقة، وخصوصاً الفرص التي يتوقع أن توفرها مرحلة إعادة الإعمار في الدول المجاورة، والتي قدرت في العراق لوحده بما يزيد على 60 مليار دولار.
كما دعا محافظ المركزي القطاع الخاص للإنخراط في تشكيل عناقيد إنتاجية، لا سيما للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والإستفادة من المزايا التي توفرها هذه العناقيد، خاصة في مجال خفض تكلفة الإنتاج وزيادة تنافسية المنتجات الوطنية إقليمياً وعالمياً وبما ينعكس في زيادة التصدير، وزيادة المساهمة في سلاسل القيمة أو “الإنتاج” العالمية وفتح آفاق جديدة للاستثمار.
وقدم فريز قراءة في المشهد الاقتصادي الدولي مشيراً إلى أن السنوات الماضية أفرزت تحديات كبيرة للاقتصاد العالمي ما زال يعاني منها حتى الآن، فبعد الازمة المالية العالمية لم يلبث أن أفاق على أزمة الديون السيادية الأوروبية رافقها تذبذبات كبيرة وغير مسبوقة في أسعار السلع الأساسية وأهمها النفط الخام إلى جانب زيادة أسعار الفائدة الأمريكية منذ نهاية عام 2015، وما تركته من ضغوط على الاقتصادات الناشئة بما فيها منطقتنا.
وبين أن الاقتصاد العالمي وبعد بدء التعافي والنمو القوي الذي سجله عام 2017 وبدايات العام الماضي عاد ليشهد تراجعاً في زخم نموه منذ النصف الثاني من عام 2018، وإنخفض نموه المتوقع لعام 2019 إلى 3.3% و3.6 % العام المقبل وهي المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر التي يخفض فيها الصندوق من توقعاته للنمو العالمي.
وقال فريز ” رغم إستبعاد دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من الكساد في المستقبل القريب، إلا أنه بالتأكيد يمر حالياً في ظرف حساس ودقيق، وما زال الإنتعاش معرضاً لعدة مخاطر بما فيها إنعكاسات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإرتفاع المديونية وإزدياد التجاذبات التجارية الدولية وزيادة بوادر القلق في الأسواق العالمية”.
وأضاف أن منطقتنا ليست بمعزل عما يحدث في العالم حيث إنخفض معدل نموها من1.8 % عام 2017 إلى 1.4 العام الماضي 2018 فيما يتوقع أن يواصل إنخفاضه 1.3 خلال العام الحالي متأثراً بتباطؤ الطلب العالمي والنمو في القطاعات المرتبطة بالنفط في بعض دول الخليج العربي والعقوبات الأمريكية على إيران والتوترات في عدد من الاقتصادات الإقليمية، منها العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان.
بدوره، أكد رئيس جمعية رجال الأعمال الاردنيين حمدي الطباع أن وجود نطام مالي متطور وكفوء يعتبر من العوامل المهمة في تطوير وتحفيز النمو الاقتصادي وهو ما تتمتع به المملكة من جهاز مصرفي سليم ومتين قادر على تحمل الصدمات والمخاطر نتيجة تمتع البنوك بمستويات مرتفعة من كفاية رأس المال والتي تعتبر الأعلى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأشار إلى أن السياسات النقدية الإنكماشية التي إتبعها البنك المركزي خلال العام الماضي أثرت سلباً على تكلفة الإقراض وتمويل المشاريع والنفقات التشغيلية للقطاعات الاقتصادية من خلال رفع أسعار الفائدة على الإقراض لاكثر من مرة.
وبين أن الاقتصاد الأردني عانى العديد من التحديات الجيوسياسية التي انعكست آثارها سلبا على الأداء الاقتصادي بالإضافة إلى إتخاذ سلسلة من الإجراءات التقشفية والتصحيحة والتي كانت لها آثار إنكماشية على مستوى النشاط الاقتصادي خاصة في ظل السياسات المالية والنقدية الإنكماشية التي أثرت سلباً على الطلب العام الإستهلاكي والاستثماري .
وشدد الطباع على ضرورة إتساق السياسات الاقتصادية المختلفة وعدم تعارضها مع بعضها البعض والتأكيد على صانع السياسات على أهمية إستقرار التشريعات المؤثرة في نجاح بيئة الأعمال وتعزيز البيئة الاستثمارية الأردنية والحرص على عدم تعارض التشريعات وتقييدها للاستثمار.
وتناول الحضور العديد من القضايا التي تهم الاقتصاد الوطني بالفترة الحالية ومنها تراجع النشاط التجاري والإستهلاك وإعادة النظر بأسعار الفائدة وشح السيولة بالسوق المالي وتحفيز المواطنين على الاستثمار بالبورصة والإستعدادت لمواجهة أية أزمة مالية عالمية يتوقع حدوثها خلال العام المقبل.
وأشاروا إلى قضية الشيكات المرتجعة والحديث عن إلغاء العقوبة الجزائية بخصوصها وتنشيط السياحة العلاجية وإيجاد بديل لبنك الإنماء الصناعي ووضع آلية لتصنيف شركات الصرافة وتشجيع تدفق الاستثمار الأجنبي.