حاورته : ديما القطامي
لا يخفى على أحد أن اسم الحاج حمدي الطباع كما يحب أن يناديه الناس اقترن بصديق طفولته الراحل المغفور له الملك حسين بن طلال، لكنه فضًل عدم استغلال تلك الصداقة لتبوء أي منصب حكومي طيلة فترة تولي الملك الراحل لسلطاته الدستورية .
ابتعاده عن المناصب جاءت بناحية إيجابية لصالح عمله التجاري فهو أحد أبناء “شهبندر التجار” في عمان منذ العشرينات الحاج صبري الطباع، لينغمس الحاج حمدي في أعماله التجارية محاولا خدمة وطنه في هذا القطاع المهم، ليشكل الحاج حمدي الطباع أحد أعمدة الاقتصاد في الأردن.
الطباع الاقتصادي المخضرم يرى أن القادم سيكون أجمل من خلال ربط شمال المملكة بجنوبها واستحداث عاصمة اقتصادية جديدة للمملكة، مؤكدا أن إهمال المستثمر الأردني والتركيز على الاستثمار الأجنبي جعل عددا من الدول العربية وجهة لرؤوس الأموال الأردنية قائلا ” يجب أن يكون المستثمر الأردني أولا”.
الحاج حمدي فتح قلبه لكادر المجلة في كافة المواضيع دون تكلف أو محاباة، مطالبا بتشكيل ثورة بيضاء على كافة الأصعدة، ليقول ” لا تحملوا الملك أكثر من طاقته”.
وهو يرى أيضا أن الخطوة الأولى في سد عجز الموازنة وتخفيف المديونية تكمن في إلغاء المؤسسات الحكومية المستقلة ، محذرا من موضوع “الإدارة غير الرشيدة في إدارة ملف الكهرباء التي ستؤدي إلى انهيار الصناعة في الأردن”.
وطالب الحاج حمدي وسائل الإعلام التعامل بمسؤولية مع قضايا الفساد المرتبطة بالأدلة والبراهين ليشير إلى أن مبالغة وسائل الإعلام بالحديث عن قضايا الفساد يفقد الثقة بالاقتصاد الأردني.
أزمة ثقة
وتطرق الطباع في حديثه إلى الوضع الاقتصادي القائم حاليا ليؤكد “أن الخطوة الأولى في منظومة الإصلاح الاقتصادي الشامل تبدأ من إعادة الثقة بين المواطن والحكومة” .
ويضيف ” لم يعد بإمكان الحكومة أو أصحاب القرار إخفاء المعلومات عن المواطن ولم يعد مبررا أن يتم تغيير التشريعات والتعليمات من وقت إلى أخر”، موضحا أن ما تقدم أدى إلى فقدان الثقة ما بين المواطن والحكومة ليشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد الوطني .
وفي ذات السياق أكد أنه خلال سنوات سابقة عندما تم إقرار تعليمات تقديم كشف التقدير الذاتي لضريبة الدخل كخطوة أولى لبناء الثقة ما بين المستثمر والحكومة، كانت النتائج مذهلة في أول سنتين لتبدأ تلك النتائج بالتراجع لعدم انتباه الحكومة لأهمية المحافظة على الثقة مع المستثمر.
ويتابع الطباع في محور زعزعة الثقة أن مبالغة وسائل الإعلام بالحديث عن قضايا الفساد التي لا تحوي الأدلة والبراهين ساهمت في زعزعة ثقة المواطن والمستثمر الأردني وغير الأردني في نزاهة وشفافية الإدارات المختلفة في الأردن، مشيرا إلى أن عدم التزام الحكومة بشكل كامل بالاتفاقيات المبرمة مع بعض كبار المستثمرين ساهمت وبشكل كبير في اتساع فجوة الثقة .
المديونية وسد العجز
وقدم الحاج حمدي جملة من المقترحات لتعويض العجز في الميزانية ليقول ” تجاوزت نسبة المديونية الخط الأحمر حاليا وما زلنا نتحدث عن رفع أسعار الكهرباء وزيادة الضرائب أي بمعنى أخر التركيز على جانب زيادة الإيرادات دون النظر إلى العواقب الوخيمة وتبعات تلك الزيادات على الاقتصاد الأردني “.
ويشدد على ضرورة التقليل من كافة المصاريف غير المبررة كتلك القادمة من المؤسسات الحكومية المستقلة والتي لم تؤد الغاية التي جاءت من أجلها، موضحا أن بعض المؤسسات تجاوزت كافة المحددات فيما يتعلق بسلم رواتبها أو مصاريفها الأخرى .
“لا بد لنا من ثورة بيضاء في كافة الأصعدة” قالها ضيفنا الطباع بحرقة فهو يريد ثورة لتطوير العقليات والقضاء على عقدة البطالة المقنعة والوظائف غير المؤهلة وغير المنتجة، مطالبا البدء بمرحلة الإنتاج الحقيقي لبناء الاقتصاد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، إضافة لخلق شعور جديد لدى جميع القائمين على محور الاقتصاد الوطني ليتساءل عن جدوى أيام العطل الكثيرة ؟.
ويقول ” في بلد يعاني من هذا الحد من عجز الموازنة لا يوجد أي مبرر لعطلة يوم السبت في القطاع العام في المقابل هنالك العديد من الدول الغنية التي تكون ساعات الدوام في مؤسساتها الخدمية لساعات طويلة تمتد للمساء إضافة إلى عملهم يوم السبت”، ليؤكد أنه إذا لم يتفاعل الجميع بشعورهم بجدية المرحلة فلن يكون هنالك حلولا جذرية للمشاكل.
وشدد الطباع في معرض حديثه على ضرورة القضاء على كافة أشكال الابتزاز المتمثلة بالإضرابات العمالية، ومعالجتها من خلال ربط سلم الرواتب بمؤشر التضخم .
خطة الإصلاح الاقتصادي
وأسهب الحاج حمدي في محور خطة الإصلاح الاقتصادي موضحا أنه يجب أن تكون الخطة عبارة عن استراتيجية طويلة الأمد مبنية على أسس علمية حقيقية وليس مجرد خطة إصلاح تطبيقية، مؤكدا عدم منطقية ما سبق لأن المنطقة العربية والأردن جزء لا يتجزء منها تمر بظروف تتغير كل يوم وكل ساعة.
وأضاف ” أن وضع خطط إصلاح غير مرنة ودون مؤشرات إنجاز دورية ودون محاسبة يمثل مضيعة للجهد والوقت إذ لا بد من إرجاع كافة القرارات والتشريعات إلى استراتيجية الإصلاح الاقتصادي حتى لا تكون الاستراتيجية في جانب وحال الواقع في جانب آخر”.
ويحذر ضيفنا من التعامل بعدم مسؤولية مع ملف شركة الكهرباء موضحا أن الإدارة غير الرشيدة لملف الكهرباء ستعمل على انهيار القطاع الصناعي في الأردن، قائلا ” والله إن قلبي لينفطر وأنا أرى هجرة الصناعة الأردنية لدول الجوار بسبب ارتفاع أجور استهلاك الكهرباء”، ليبدي تساؤلا حول المانع من ربط بعض المناطق بشبكة الكهرباء السعودية ذات الكلفة الأقل ؟.
وطالب الطباع بإجراء مراجعة استراتيجية لآلية التعامل مع المستثمرين الجدد والحاليين، وإعطاء المستثمر الأردني الأولوية على المستثمر الأجنبي، مؤكدا أن إهمال المستثمر الأردني والتركيز على المستثمر الأجنبي ساهم في جعل السعودية والإمارات وجهة لرؤوس الأموال الأردنية التي لم تلق الاهتمام في بلدها .
وعن الدور الأكبر في خطة الإصلاح الاقتصادي أشار إلى أنها يجب أن تقع على كاهل القطاع الخاص الذي يجب الاهتمام بأخذ مقترحاتهم بعين الاعتبار، موضحا ” نحن في جمعية رجال الأعمال الأردنيين قدمنا مقترحات لتنفيذ خارطة طريق اقتصادية وخطة عشرية للنهوض بالاقتصاد الوطني وننتظر فسح المجال لمناقشة هذه المقترحات”.
وفي ذات الصدد طالب بإعادة النظر في بعض المفاهيم والعموميات مثل مفهوم الشراكة بين القطاع العام والخاص، ليؤكد أن هذا المفهوم وبشكل مجرد يتنافى مع منطق الإصلاح الاقتصادي فالحكومة ليست هي الجهة الأكثر كفاءة في تناول قضايا الاستثمار والاقتصاد.
وأوضح الطباع أن الحكومة يقتصر دورها على اقتراح القوانين والتشريعات بالتنسيق مع أصحاب الاختصاص من القطاع الخاص، والتأكيد على أن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو من باب التعاون والتنسيق وتقارب الأفكار .
القادم أجمل …ولا مجال لإضاعة الفرص
كافة العراقيل والصعوبات لم تمنع الحاج حمدي من القول أن الجميع متفائل بالمرحلة الاقتصادية القادمة، مشددا على ضرورة التحضير لما هو قادم من خلال ضمان عدم إضاعة الفرص، ليقول ” علينا التعلم من أخطائنا وعدم إضاعة فرص كانت في متناول أيدينا فنحن كنا السباقين في الكوادر البشرية المؤهلة ، ونحن كنا السباقين في الخبرات التكنولوجية ونحن كنا السباقين في خبرات البنية التحتية ، ونحن كنا السباقين في تسويق منتجاتنا وخبراتنا الطبية والعلاجية لذا فكافة الميزات الاقتصادية سابقة الذكر يجب عدم التهاون بها ومحاولة تطويرها والمحافظة عليها “.
وأشار الطباع إلى ضرورة التحضير لبنية تحتية كاملة لاستقبال الاستثمارات الكبيرة والمتوسطة بما في ذلك وضع خطة استراتيجية لربط شمال المملكة بجنوبها واستحداث عاصمة اقتصادية جديدة عوضا عن خنق العاصمة عمان التي لم تعد تحتمل نتيجة للأزمة السكانية والأزمات المرورية الخانقة.
وتابع أنه لا بد من تحضير كافة الأساسيات المطلوبة لإقامة الاستثمارات مثل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق، إضافة إلى البيئة المصرفية المتطورة.
وفي محور التعليم قال الطباع أنه لا بد من رفع كفاءة القوى العاملة في الأردن من خلال التركيز على موضوع التعليم الجامعي والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال مثل تركيا والتي وضعت تعليمات متطورة لإدارة التعليم في البلاد إذ يتم تخصيص كافة الرسوم الطلابية إلى التعليم والبحث العلمي ، ولا تدخل في حسابات الأرباح والخسائر للمستثمر إضافة إلى إقامة الجامعات بجانب الشركات الكبرى لتدريب الخريجين ،وفي ذات الوقت يتم تحفيز الاستثمار في مجال التعليم والمجالات الأخرى من خلال قانون تم دراسته بعناية .
صندوق الزكاة
ولم يغفل ضيفنا “الشرائح الفقيرة من منظومة الإصلاح الاقتصادي الشامل” ليؤكد أن هنالك شريحة كبيرة في المجتمع الأردني تعاني من الفقر والعوز وفي معظم الحالات فإنهم يشكلون عبئا على موازنة الدولة من خلال صندوق المعونة الوطنية وتشكل عبئا إضافيا على السلوكيات المجتمعية، ليقول : ” ما سبق يتطلب الإسراع في تشريع قانون صندوق الزكاة حيث قمنا بإرسال مقترح لهذا القانون ونحن بانتظار الإسراع في إجراءاته التشريعية”.
بالمجمل وفي محصلة حديثنا مع شخصية بمقام الحاج حمدي الطباع الذي لا يساورك الملل مطلقا بالحديث معه، والذي قدم العديد من الحلول الجذرية القابلة للتطبيق على أرض الواقع بعيدا عن التنظير والشعارات .
التفاؤل لما هو قادم والذي يجب أن يرتبط بعدم إضاعة الفرص كانت السمة الغالبة لحديث الطباع، الذي شاركنا حرقته على “هجرة رؤوس الأموال الأردنية للخارج وضرورة التحضير بجدية للمرحلة المقبلة ، مفسحين المجال لأصحاب الشأن والقرار الاستفادة من عصارة خبرة اقتصادي كبير بحجم الحاج حمدي الطباع”.